الضمان الاجتماعي للبحارة.. إصلاح جديد ينهي زمن الموسمية

صوت الصحراء
في إجراء وُصف من طرف مهنيي الصيد البحري بـ”التحول المنتظر”، دخل حيز التنفيذ القرار الوزاري رقم 1315.25 الصادر عن وزيرة الاقتصاد والمالية بتاريخ 19 ماي 2025، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 7443. القرار يضع إطارًا جديدًا لتدبير أيام الاشتراك في نظام الضمان الاجتماعي، ويُقرّ آلية دقيقة لإعادة توزيع المداخيل الإجمالية لرحلات الصيد بين البحارة العاملين وفق نظام المحاصة، الذي يشكل النمط الغالب في قطاع الصيد البحري بالمغرب.
لطالما مثّل الطابع الموسمي لعمل البحارة عقبة أمام استفادتهم المنتظمة من التغطية الاجتماعية، حيث كانت فترات التوقف بسبب الظروف المناخية أو الراحة البيولوجية تؤدي إلى انقطاع التصريح بالأجور، وبالتالي إلى ضياع حقوقهم في التقاعد والتأمين الصحي. القرار الجديد جاء ليكسر هذه الحلقة، إذ يُلزم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بإعادة توزيع المداخيل المصرح بها كل شهر، على جميع أشهر السنة، حتى وإن لم يتم فيها مزاولة نشاط فعلي. وبهذه الصيغة، يتحول النشاط البحري من عمل موسمي متقطع إلى مسار شغلي مستمر على المستوى الإداري والمالي، بما يضمن استقرار التغطية الاجتماعية ويحافظ على الحقوق التقاعدية للبحارة.
تقوم الآلية الجديدة على احتساب ما يسمى بـ”معامل إعادة التوزيع”، الذي يُستخرج من قسمة مجموع المداخيل السنوية إلى غاية الشهر المنصرم على الحد الأدنى القانوني للأجر الشهري. ويُخصص لكل شهر عدد من أيام الاشتراك يتناسب مع المبلغ المعاد توزيعه، في حدود 26 يومًا كحد أقصى، ما يسمح بتوزيع عادل ومتوازن لمداخيل البحارة على مدار السنة.
القرار الوزاري الجديد ليس معزولًا عن الإطار التشريعي العام، بل يشكل امتدادًا لمقتضيات القانون رقم 02.24، الذي عدّل الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.72.184 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي. وقد سبقه صدور المرسوم رقم 2.25.266 الذي صادق عليه مجلس الحكومة لتحديد تفاصيل التطبيق العملي لهذا النظام، خاصة ما يتصل بتدبير المداخيل في قطاع الصيد البحري.
منذ سنوات، ظل المهنيون والنقابيون في قطاع الصيد يطالبون بتغطية اجتماعية تراعي خصوصيات عملهم، وتُنهي التمييز القائم بين البحارة والعاملين في قطاعات أخرى أكثر استقرارًا. وخلال سلسلة اللقاءات التي نظمتها السلطات الوصية حول “التغطية الاجتماعية لرجال البحر”، أجمعت مختلف الأطراف على ضرورة إدماج البحارة في منظومة حماية مستدامة تواكب المخاطر التي يواجهونها في عرض البحر، وتمنحهم شعورًا بالأمان المهني والاجتماعي.
يُعد القرار محطة جديدة في مسار تحديث المنظومة القانونية لقطاع الصيد البحري، الذي يشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني. كما أنه يُترجم عمليًا رؤية الدولة الرامية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين مختلف فئات الشغيلة، في سياق تنزيل مشروع التعميم الشامل للحماية الاجتماعية الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس. ومع دخول هذا القرار حيز التنفيذ، يفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها الإنصاف والاستدامة، حيث يصبح البحّار المغربي، أخيرًا، جزءًا من نظام اجتماعي يواكب تضحياته في البحر، ويعترف بموسمية عمله دون أن يجعل منها سببًا لحرمانه من حقوقه الأساسية.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد