الملك محمد السادس يدعو إلى تنمية محلية عادلة ويشدد على إصلاح التعليم والصحة ومحاربة هدر الوقت والجهد
صوت الصحراء : المحرر السياسي
في خطابٍ وصفه مراقبون بأنه من أكثر الخطب وضوحًا في توجيه البوصلة التنموية للمملكة، دعا الملك محمد السادس مساء الجمعة إلى جعل برامج التنمية المحلية في صلب أولويات الحكومة والمؤسسات المنتخبة، مؤكدًا على ضرورة النهوض بقطاعات الصحة والتعليم والتشغيل، ومحاربة كل الممارسات التي تهدر الوقت والجهد والإمكانات. وقد جاء الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية الحكومية الحالية في سياق اجتماعي حساس، بعد موجة من الاحتجاجات الشبابية التي شهدتها عدة مدن مغربية خلال الأسابيع الماضية، قادها شباب من حركة “جيل زد 212”، احتجاجًا على تردي الخدمات الصحية ووفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى عمومي بمدينة أغادير.
الملك محمد السادس شدّد في خطابه على أن تحقيق تنمية ترابية منسجمة لا يمكن أن يتم دون تضامن فعلي بين الجهات والمناطق، داعيًا إلى إعادة النظر في السياسات العمومية الموجهة للمناطق الجبلية التي تمثل نحو 30% من مساحة البلاد، ومؤكدًا أن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعارات ظرفية، بل توجه استراتيجي يجب أن يحكم كل السياسات التنموية. ويرى أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، عبد الحفيظ اليونسي، أن الخطاب جاء ليعيد ترتيب أولويات الدولة بعد مرحلة اتسمت بتعدد البرامج الكبرى، لكنه هذه المرة ربط بوضوح بين المشاريع الوطنية والتنمية الاجتماعية الملموسة في الميدان. وأضاف أن الملك ذكّر الأحزاب السياسية بوظيفتها التأطيرية، ودعاها إلى الانخراط الفعلي في تجسيد التنمية المحلية، لا الاكتفاء بالشعارات أو الخطابات الموسمية.
ولم يكتفِ الملك بتحديد الأولويات، بل شدد على ضرورة تغيير العقليات وأساليب التدبير، داعيًا إلى ترسيخ ثقافة النتائج واستثمار التكنولوجيا الرقمية في التخطيط والتنفيذ، في إشارة إلى التحول نحو حكامة أكثر شفافية وفعالية. ويرى المحلل السياسي المغربي أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن الخطاب يحمل بعدًا إصلاحيًا مؤسساتيًا، إذ يوجّه البرلمان والحكومة إلى العمل بتنسيق أوثق من أجل تقييم السياسات العمومية ومراقبة مردودها، موضحًا أنه يرسم معالم خريطة طريق لتصحيح العلاقة بين البرلمان والحكومة والجماعات المحلية بهدف خلق تناغم مؤسساتي يترجم تطلعات المواطنين.
ورغم أن الخطاب لم يتطرق صراحة إلى احتجاجات “جيل زد 212”، فإن مضمونه، وفق العديد من المراقبين، تفاعل ضمنيًا مع المطالب الاجتماعية التي رفعتها الحركة، خاصة ما يتعلق بالتشغيل وتحسين خدمات الصحة والتعليم. وقال أحد البرلمانيين الشباب في تصريح لصحيفة محلية إن الملك اختار أن يرد على مطالب الشارع بأسلوبه الخاص، من خلال الإشارة إلى جوهر الأزمة بدل تفاصيلها، وتأكيده أن التنمية الشاملة هي الطريق الأنجع لمعالجة الإحباط الاجتماعي. ومن جهته، اعتبر السياسي والكاتب المغربي محمد ضريف أن الرسالة الأعمق في الخطاب هي الحفاظ على استقرار المؤسسات في وقتٍ تتصاعد فيه الأصوات المطالبة بالتغيير، مشيرًا إلى أن الملكية اختارت مجددًا نهج الإصلاح الهادئ دون الانجرار إلى ردود انفعالية أو قرارات مفاجئة.
حركة “جيل زد 212” أعلنت تعليق احتجاجاتها تزامنًا مع الخطاب الملكي، معتبرة ذلك تعبيرًا عن الاحترام للمؤسسة الملكية، لكنها شددت في بيانها على أن التعليق لا يعني التراجع عن المطالب المشروعة، بل هو خطوة مسؤولة في انتظار تجاوب فعلي مع مطالب الإصلاح. وقد تضمنت الوثيقة المطلبية التي نشرتها الحركة على منصات التواصل الاجتماعي دعوات إلى إقالة الحكومة، وإصلاح قطاعي الصحة والتعليم، ومحاربة الفساد، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية المظاهرات، إضافة إلى المطالبة بتحقيق قضائي في التجاوزات التي رافقت الاحتجاجات.
وفي المقابل، أكد المتحدث باسم الحكومة مصطفى بايتاس أن السلطة التنفيذية استمعت لمطالب الشباب، لكنها تحتاج إلى حوار مباشر وبنّاء من أجل إيجاد حلول عملية، مشيرًا إلى أن الاحتجاج مفهوم، لكن الإصلاح يحتاج إلى شراكة وجدية من الطرفين.
ويرى المراقبون أن خطاب الملك محمد السادس أعاد التأكيد على التحول نحو نموذج تنموي أكثر عدالة وفعالية، يقوم على القرب من المواطن والمجال، وعلى ربط المسؤولية بالمحاسبة والنتائج. ويجمع المحللون على أن المرحلة المقبلة ستكون اختبارًا حقيقيًا للحكومة والبرلمان بين ترجمة التوجيهات الملكية إلى سياسات ملموسة، وبين قدرة الفاعلين السياسيين على استعادة ثقة المواطن، خصوصًا في ظل تصاعد التطلعات الاجتماعية لدى فئة الشباب.