الإعلام بين خطاب الأزمة ومسؤولية الكلمة

بقلم محمد الحبيب هويدي
لم يعد الرهان اليوم في زمن الأزمات مرتبطًا فقط بقدرة السياسيين على اتخاذ القرارات، بل أيضًا بقدرتهم على مخاطبة الرأي العام بلغة مسؤولة وواعية. التجربة التي عاشها المغاربة خلال اللقاء الصحفي الأخير للناطق الرسمي باسم الحكومة على قناة ميدي 1 تيفي تطرح أكثر من سؤال حول مستوى الخطاب السياسي في بلادنا، وحول مدى احترامه لذكاء المواطن وانتظاراته.
المسألة لم تكن مجرد ارتباك عابر أمام الكاميرات، بل تعبير عن حاجة ملحّة إلى نضج أكبر في إدارة التواصل العمومي. فالمواطن اليوم لا يبحث عن شعارات جوفاء، ولا يقتنع بعلو الصوت، بقدر ما ينتظر وضوحًا في الرؤية ورزانة في الكلمة.
في هذا السياق، يبرز دور الإعلام كمرآة حقيقية لنبض الشارع. فتح النقاش العمومي عبر القنوات الوطنية خطوة إيجابية، لكنها تظل غير كافية ما لم تتحول إلى ممارسة دائمة تعكس تعددية الآراء وتضع المسؤولين أمام أسئلة حقيقية. الإعلام المهني ليس ترفًا ديمقراطيًا، بل صمام أمان يحمي الاستقرار عبر خلق فضاء للنقاش الحر والمسؤول.
إدارة الأزمات لا تتم بردود أفعال متسرعة، وإنما بقراءة عميقة للتحديات واستباق للسيناريوهات. والمواطن بدوره لم يعد متلقيًا سلبيًا، بل شريكًا في النقاش العمومي بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي كسرت احتكار المعلومة. من هنا يصبح لزامًا على الدولة أن تدرك أن التواصل الشفاف لم يعد خيارًا بل ضرورة، وأن الصحافة الجادة هي جسر الثقة بين المؤسسات والمجتمع.
إننا في مرحلة دقيقة تتطلب قدرًا أكبر من المسؤولية السياسية والإعلامية على حد سواء. فالوطن لا يُدار بالارتجال، ولا بالميكروفونات التي تفتقد البصيرة، بل بحكمة الموقف وصدق الكلمة. إعلام مسؤول وسلطة تُحسن الإصغاء… تلك هي المعادلة التي يمكن أن تعيد الثقة المفقودة وتفتح الطريق أمام مستقبل أكثر وعيًا ونضجًا.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد