بقلم :محمد الحبيب هويدي
يترقّب المغاربة، كما في كل سنة، الخطاب الافتتاحي الذي سيلقيه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، إيذاناً بانطلاق الدورة البرلمانية الجديدة. ويأتي هذا الموعد في ظل سياق وطني خاص، تتقاطع فيه انتظارات الإصلاح مع دينامية احتجاجية شبابية تعرفها بعض المدن المغربية منذ أسابيع.
شهدت عدة مدن مظاهرات يقودها شباب أطلقوا على أنفسهم اسم «جيل Z»، في إشارة إلى الفئة العمرية التي ينتمون إليها. بدأت هذه التحركات بطابع سلمي، مطالبة بإصلاحات اجتماعية واقتصادية، قبل أن تتحول بعض التجمعات إلى حالات فوضى محدودة استدعت تدخّل السلطات الأمنية. وبينما تحدّثت بعض المنظمات الحقوقية عن “تضييق” على المتظاهرين، أكدت السلطات أن تدخلها تم في إطار القانون ومن دون استعمال السلاح الوظيفي. كما أعادت حادثة القليعة، التي استُهدف فيها مركز للدرك الملكي، النقاش حول حدود التظاهر السلمي ومسؤولية كل طرف في الحفاظ على النظام العام.
برز الفضاء الرقمي كأحد أهم ميادين النقاش حول هذه التحركات، حيث تتداول المنصات المنسوبة للحركة روايات متباينة عن تعامل السلطات مع المحتجين، في حين يدعو متابعون إلى التحقق من هذه المزاعم عبر آليات قانونية وحقوقية مستقلة. ويلاحظ مراقبون أن النقاشات الإلكترونية تتراوح بين مطالب إصلاحية واقعية ومضامين تحريضية غير مؤكدة، ما يبرز الحاجة إلى توجيه الحراك الشبابي نحو قنوات تنظيمية واضحة.
في المقابل، شهدت مدن مغربية مظاهرات تضامنية واسعة مع غزة، شارك فيها طيف واسع من المواطنين من مختلف التيارات السياسية والنقابية والمدنية، في مشهد يعكس قدرة المجتمع على التعبئة حول القضايا الوطنية الجامعة. وقد أثار هذا التفاعل تساؤلات لدى شباب الحركة حول محدودية مشاركة تلك القوى في احتجاجاتهم الاجتماعية، ما يعكس اختلافاً في طبيعة الدوافع والسياقات.
على الصعيد الحكومي، أعلنت السلطة التنفيذية استعدادها للحوار مع مختلف الفئات الاجتماعية، وخرج عدد من الوزراء لتقديم توضيحات حول ملفات قطاعية. ورغم أن البعض اعتبر هذه الخطوة متأخرة، فإنها اعتُبرت مؤشراً إيجابياً على رغبة الحكومة في التفاعل مع مطالب الشارع. في المقابل، أصدرت حركة “Z” ملفاً مطلبياً يضم بنوداً مثيرة للنقاش، منها الدعوة إلى محاسبة الأحزاب وإقالة الحكومة، مع رفض المشاركة في العملية السياسية، ما اعتُبر تناقضاً بين الخطاب والممارسة.
ويرى مختصون أن المرحلة تتطلب وعياً جماعياً بضرورة التمييز بين الحق في الاحتجاج السلمي ومظاهر الانفلات، وبين المطالب الواقعية وتلك التي تتجاوز الإطار الدستوري. كما يؤكدون أن الحوار المؤسساتي هو السبيل الأمثل لتحويل الطاقة الاحتجاجية إلى قوة اقتراحية تساهم في الإصلاح.
مع اقتراب الخطاب الملكي، تبدو البلاد مقبلة على لحظة سياسية دقيقة، ينتظر منها المواطنون توجيهات تحدد أولويات المرحلة المقبلة. فبين تطلعات الشباب ومقتضيات الاستقرار، يبقى التوازن بين الحرية والمسؤولية هو الأساس لضمان استمرار الثقة بين الدولة والمجتمع.