صوت الصحراء
في لحظة تتقاطع فيها رهانات البيئة والتنمية، تحولت مدينة طنجة إلى فضاء دولي للحوار حول مستقبل المحيطات والثروات البحرية، باحتضانها الدورة الثالثة من قمة “إفريقيا الزرقاء”، المنعقدة يوم الخميس 9 أكتوبر الجاري، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، تحت شعار:> “ميثاق من أجل إفريقيا زرقاء مستدامة”.
القمة التي نظمتها أكاديمية المملكة المغربية بشراكة مع منظمة “سيزون بلو”، تأتي في سياق التحضيرات الجارية لمؤتمر الأمم المتحدة حول المحيطات (UNOC3 – نيس 2025)، وتشكل محطة أساسية لتعزيز التفكير المشترك حول كيفية تمكين القارة الإفريقية من موقع مؤثر داخل منظومة الاقتصاد الأزرق العالمي.
في هذا الإطار، شددت السيدة زكية الدريوش في كلمتها الافتتاحية على أن المغرب، بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، استطاع أن يجعل من الاستدامة والحوكمة الرشيدة للموارد البحرية ركيزتين أساسيتين في سياساته العمومية. وأبرزت أن المملكة اعتمدت خلال العقدين الأخيرين سلسلة من الإصلاحات والاستراتيجيات الهيكلية التي أرست أسس الاقتصاد الأزرق، من أبرزها استراتيجية “أليوتيس”، وإحداث مناطق بحرية محمية، واعتماد التخطيط المجالي البحري، إلى جانب محاربة الصيد غير القانوني وغير المصرّح به وغير المنظم، وإطلاق خارطة طريق وطنية للاقتصاد الأزرق.
وأكدت الدريوش أن هذه المقاربة المغربية تنسجم مع التوجه الإفريقي والدولي نحو حكامة مستدامة للمحيطات، مشيرةً إلى أن سنة 2025 تُعد محطة مفصلية في هذا المسار، بحكم قرب دخول اتفاق BBNJ حيز التنفيذ، وتفعيل اتفاق منظمة التجارة العالمية حول دعم الصيد، إلى جانب الدينامية التحضيرية لمؤتمر الأمم المتحدة حول المحيطات في نيس.
وأضافت أن هذه التحولات تؤكد الإدراك المتزايد لأهمية المحيطات كمورد استراتيجي للتنمية المستدامة، وكمجال للتعاون بين الدول، خاصة في إفريقيا التي تمتلك أحد أكبر السواحل البحرية في العالم، لكنها لا تزال بحاجة إلى سياسات مشتركة تعزز قدرتها على استثمار هذا الرصيد الطبيعي الهائل.
وفي السياق نفسه، ذكّرت المتحدثة بأن “الميثاق من أجل إفريقيا زرقاء مستدامة” يمثل مبادرة إفريقية خالصة تروم توحيد صوت القارة في قضايا المحيطات، وضمان حضور قوي لإفريقيا في المفاوضات الدولية المرتبطة بالاقتصاد الأزرق والحوكمة البحرية.
وتُعد قمة طنجة الزرقاء، بما تتيحه من تفاعل بين صناع القرار والخبراء وممثلي المجتمع المدني والهيئات الدولية، منصة حقيقية لإعادة رسم معالم التحول البحري في إفريقيا. فهي لا تقتصر على تبادل الخبرات فحسب، بل تسعى إلى بلورة رؤية إفريقية مشتركة تجعل من المحيطات رافعة للتنمية والتعاون، بدل أن تكون مجالاً للهشاشة البيئية أو التنافس غير المتكافئ.
إن رهان إفريقيا اليوم، كما خلصت المداخلات، لا ينحصر في حماية محيطاتها فحسب، بل في تحويلها إلى مصدر للفرص والابتكار والعدالة المناخية، بما يضمن تنمية متوازنة ومستدامة للأجيال القادمة.

تعليقات الزوار