بقلم: محمد الحبيب هويدي
تمرّ بلادنا اليوم بواحدة من أصعب المراحل في تاريخها الحديث، حيث تتكاثف الأزمات وتتشابك تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل غير مسبوق. الشارع يغلي، والاحتقان الشعبي يتصاعد، بينما يبدو أن الحكومة، برئاسة السيد عزيز أخنوش، ما تزال تتصرف وكأنها في معزل عن نبض المجتمع، تتأخر عن الإيقاع الحقيقي للأزمة، وتواجه غضب المواطنين ببلاغات إنشائية لا ترقى إلى مستوى الكارثة التي نعيشها.
لقد أصبح من الواضح أن السياسات الحكومية المعتمدة لم تعد قادرة على توفير الحلول الناجعة، بل إنها في كثير من الأحيان ساهمت في تفاقم الوضع. الأسعار تشتعل، القدرة الشرائية تنهار، ومظاهر الفقر والتهميش تمتدّ حتى إلى الفئات التي كانت تُعدّ من الطبقة المتوسطة. ومع ذلك، تصرّ الحكومة على اعتماد خطاب رسمي يُبخس ذكاء المواطنين، ويُمعن في تجاهل كرامتهم ومعاناتهم اليومية.
إن ما نراه اليوم لا يمكن وصفه سوى بالاستهتار بمستقبل الوطن وأحلام أبنائه. فحين يفقد المواطن الثقة في مؤسسات الدولة، ويشعر بالخذلان أمام انسداد الأفق، تتسع الهوة بين الدولة والمجتمع، وهو ما يفتح المجال أمام كل أشكال الاحتقان، وربما التطرّف، ويمنح خصوم الوطن منافذ للطعن في استقراره وتماسكه.
لكن، وفي خضم هذا الغضب الشعبي المشروع، لا بد من التأكيد بوضوح أن أعمال الشغب أو التخريب التي قد تصدر عن بعض المحتجين لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال. التعبير عن الرأي والاحتجاج حق مكفول، لكن يجب أن يبقى في إطار السلمية والاحترام التام لأمن المواطنين والممتلكات العامة والخاصة. فالوطن لا يُبنى بالحرق والكسر، بل بالحوار، والنقد المسؤول، والضغط الشعبي الواعي والمنظم.
السيد رئيس الحكومة، إن الأزمة التي نعيشها اليوم لا يمكن معالجتها بالأدوات التقليدية ولا بالتبريرات الجاهزة. هذه لحظة تستدعي شجاعة سياسية حقيقية، تبدأ بالاعتراف بالفشل، وتصل إلى حدّ التفكير الجدّي في تقديم الاستقالة، صونًا لما تبقى من الثقة في المؤسسات، واحترامًا لإرادة الشعب الذي اختنق، واختنقت معه الأرض والسماء.
إن الوطن أكبر من أي منصب، وأهم من أي حسابات سياسية ضيقة. وما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل لحظة مفصلية تتطلب من الجميع التحلّي بالمسؤولية والجرأة، قبل أن ندفع جميعًا الثمن

تعليقات الزوار