صيادو السويلكة بالجرف الأصفر بين التهميش، الفوضى والتهريب في غياب الرقابة

صوت الصحراء: الجرف الأصفر
وسط صمت رسمي مقلق، تتفاقم معاناة مهنيي الصيد التقليدي  الممارسين للصيد بالسويلكة بميناء الجرف الأصفر، حيث يجدون أنفسهم يوميًا مجبرين على تفريغ مصطاداتهم في أماكن غير مؤهلة، تفتقر لأدنى شروط السلامة والنظافة، وسط تكدس القوارب وغياب التسيير. هؤلاء الصيادون، الذين يشتغلون في ظروف شاقة ويواجهون خطر البحر يوميًا، يعانون التهميش الممنهج داخل أحد أهم الموانئ الصناعية والبحرية بالمغرب.
في غياب فضاء مخصص لهم داخل الميناء، يتحول نشاطهم إلى مغامرة يومية محفوفة بالمخاطر. أما الأسماك المصطادة، فغالبًا ما تُعرض مباشرة على ظهر المراكب في ما يُعرف محليًا بـ”الكوبيرتا”، حيث يتم رصها فوق بعضها دون حواجز وقائية أو تبريد، ما يعرضها للتلوث، خاصة في ظل الانبعاثات والملوثات الصناعية التي تعرفها المنطقة المحيطة بالميناء، نتيجة النشاط الصناعي المكثف لشركات الأسمدة والكيماويات.
وما يزيد من هشاشة الوضع، غياب المصالح البيطرية داخل الميناء. فلا يوجد أي فحص صحي للمنتوجات البحرية قبل تسويقها، رغم أنها موجهة بشكل مباشر إلى الأسواق الوطنية، وبعضها يُصدَّر نحو الخارج. هذا الغياب يفتح المجال أمام تسويق منتوجات قد لا تستوفي المعايير الصحية، ما يشكل خطرًا على المستهلكين ويضر بسمعة المنتوج البحري المغربي.
من جهة أخرى، يُسجل المهنيون استمرار احتكار مادة الثلج من طرف معمل وحيد، عاجز عن تغطية حاجيات السوق من هذه المادة الحيوية، التي تُعدّ أساسية للحفاظ على جودة الأسماك بعد تفريغها. وفي ظل هذا الوضع، تبقى كميات كبيرة من المصطادات عرضة للتلف، ما يتسبب في خسائر مباشرة للصيادين، ويضرب في الصميم كل محاولات تشجيع الاقتصاد الأزرق.
كما يُتهم بعض أصحاب المراكب بالتلاعب في التصريحات الرسمية المتعلقة بكميات السردين المصطادة، وهي ممارسات تتم في ظل ضعف واضح في المراقبة من طرف مصالح المندوبية . تُصرح بعض المراكب بكميات أقل من تلك التي تم اصطيادها فعليًا، بينما يُسوّق الفائض في السوق السوداء، أو يُهرَّب خارج المسارات القانونية، مستغلين ضعف آليات التتبع والشفافية داخل سوق السمك.
هذا التسيّب يرافقه اكتظاظ غير مسبوق داخل الميناء، الذي تحول إلى فضاء مفتوح يلجه من هبّ ودبّ، في غياب واضح لأي مراقبة أمنية صارمة. فقد بات الميناء مرتعًا لبعض ذوي السوابق العدلية واللصوص، ما يعرّض سلامة المهنيين وممتلكاتهم للخطر. وقد رُصدت حالات سرقة واعتداءات، دون أن تُتخذ إجراءات رادعة من الجهات الأمنية المختصة.
أمام هذا الوضع الفوضوي، يطالب المهنيون بضرورة فرض “البادج” أو الشارة المهنية على كل من يلج الميناء، حتى يتم تمييز العاملين الحقيقيين عن المتطفلين، وضمان بيئة آمنة ومحترفة تليق بمكانة هذا المرفق الاستراتيجي.
ولا يخفى أن هذه الاختلالات تطرح سؤالًا ملحًا حول فعالية أجهزة المراقبة والإدارة داخل ميناء الجرف الأصفر، خاصة وأن هذا الميناء يُعد من بين أكبر موانئ المملكة من حيث حجم النشاط البحري والصناعي. فما جدوى السياسات القطاعية إذا كانت لا تصل إلى البحار الصغير الذي لا يجد حتى مكانًا آمنًا لتفريغ صيده؟
إن هذه الأزمة، بما تحمله من مظاهر التهميش والفساد وضعف الحوكمة، تُهدد ليس فقط مصدر رزق مئات العائلات، بل صورة المغرب كمصدر موثوق للمنتوجات البحرية. فالدعوات المتكررة لدمقرطة الموانئ، وتوفير شروط العمل اللائق، وضمان الشفافية في مسارات التصريح والتسويق، لا يمكن أن تبقى مجرد شعارات تُردَّد في التقارير الرسمية، بل يجب أن تتحول إلى إجراءات عملية ملموسة.
إن الصيادين الممارسة للصيد بالسويلكة لا يطالبون بالمستحيل. يريدون فقط حقهم في فضاء نظيف وآمن لتفريغ صيدهم، في ظروف تحفظ كرامتهم، وتحترم سلامة المنتوج، وتضمن لهم نصيبًا عادلًا في سلسلة القيمة البحرية. أما استمرار تجاهل هذه المطالب، فسيكون له ثمن اجتماعي واقتصادي، ستدفعه الدولة قبل المهنيين.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد