أخنوش بين السلطة والمال: ضغوط متزايدة على الصحافة المستقلة في المغرب رغم تقدم شكلي في التصنيف الدولي
الصورة تعبيرية
صوت الصحراء
رغم التقدم المسجل في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2025، والذي وضع المغرب في المرتبة 120 من أصل 180 دولة، لا تزال البيئة الإعلامية في البلاد تعاني من قيود متعددة، تتجاوز الأرقام لتلامس واقعاً معقداً تطبعه الضغوط السياسية والقيود الاقتصادية والملاحقات القضائية.
في تقريرها السنوي، رصدت منظمة مراسلون بلا حدود تدهور أوضاع الصحافة المستقلة في المغرب، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش ضيّقت الخناق على وسائل الإعلام، سواء عبر النفوذ المالي أو من خلال اللجوء المتكرر إلى القضاء ضد الصحفيين المنتقدين.
وأكد التقرير أن الخطوط الحمراء في العمل الصحفي لا تزال قائمة، وتشمل مواضيع حساسة مثل الصحراء، والملكية، والمؤسسة الأمنية، والفساد، والدين. وأوضح أن الخطاب الإعلامي الرسمي بات موجهاً بشكل متزايد نحو تلميع صورة السلطة، مقابل تهميش الأصوات المستقلة وتقليص مساحات التعبير.
ولم تغفل المنظمة الإشارة إلى أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يُعد أحد أبرز الفاعلين في التداخل بين المال والسياسة، حيث يدير واحدة من أكبر المجموعات الاقتصادية في البلاد، ويُتهم باستخدام نفوذه الاقتصادي لتعزيز تأثيره السياسي، بما في ذلك التأثير على السياسات الإعلامية ودعم وسائل إعلام مقربة من توجهاته. كما اعتُبر رفعه لعدة دعاوى قضائية ضد صحفيين ناقدين مثالاً صارخاً على استخدام القانون لردع الأصوات المزعجة.
في السياق ذاته، لم تتردد المنظمة في وصف التعددية الإعلامية في المغرب بـ”الزائفة”، معتبرة أنها لا تعكس حقيقة التنوع السياسي والفكري في البلاد، بقدر ما توظف كواجهة لتمرير خطاب موحد يخدم مصالح النخبة الحاكمة.
كما أشار التقرير إلى استخدام ما وصفه بـ”القضايا الملفقة” في استهداف الصحفيين، من خلال اتهامات أخلاقية تلاحق الأصوات المنتقدة، في ما يشبه النمط المتكرر الذي يُفضي إلى إسكاتهم، خاصة مع ضعف الضمانات القضائية واستمرار الرقابة الذاتية.
ورغم المبادرة الملكية بالعفو عن عدد من الصحفيين البارزين في يوليو 2024، مثل توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي، إلا أن المنظمة ترى في ذلك خطوة رمزية لم تغيّر من طبيعة الضغوط المتزايدة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في 2026، والتي يبدو أن الحكومة تسعى إلى ضبط المناخ الإعلامي بشأنها مسبقاً.
اقتصادياً، يتواصل اختلال ميزان الدعم والتمويل، حيث تعاني الصحافة المستقلة من ضعف الموارد وقلة الإعلانات، مقابل استفادة وسائل الإعلام الموالية من قنوات تمويل أكثر استقراراً، وهو ما يكرّس هيمنة خطاب رسمي ويقلص فرص المنافسة الإعلامية النزيهة.
يُذكر أن المغرب كان قد اعتمد قانوناً جديداً للصحافة عام 2016 ألغى عقوبة السجن في قضايا النشر، غير أن اللجوء إلى القانون الجنائي يظل سيفاً مسلطاً على الصحفيين، خاصة في ظل غياب مجلس وطني دائم للصحافة منذ حله واستبداله بلجنة مؤقتة سنة 2023.
في النهاية، يخلص تقرير مراسلون بلا حدود إلى أن الصحافة في المغرب تقف على مفترق طرق، بين مؤشرات شكلية للتحسن، وواقع ميداني يضع حرية التعبير أمام تحديات عميقة تتطلب إصلاحات هيكلية تضمن استقلال القضاء، وتعيد التوازن للمشهد الإعلامي، وتحصن الصحفيين من الترهيب المالي والقضائي.