صوت الصحراء
في مشهد يعكس عمق التعاون الإفريقي ورهانه على البحث العلمي كمدخل أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، وقع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بالمملكة المغربية ومركز الأبحاث البحرية بكوت ديفوار، يوم الخميس 24 أبريل 2025، اتفاقية شراكة علمية جديدة. وقد احتضن مقر المركز بمنطقة تريشفيل في أبيدجان فعاليات التوقيع، بحضور قيادات علمية بارزة على رأسها البروفيسور بافيتيغي واتارا والدكتور محمد ناجح، إلى جانب وفود علمية وفنية من المؤسستين.
تطمح هذه الاتفاقية إلى إقامة تعاون علمي مندمج، يهدف إلى تطوير برامج بحثية مشتركة وتكثيف المبادلات الأكاديمية بين الباحثين وطلبة الدكتوراه والفنيين، بما يعزز قدرات المؤسستين لمواجهة التحديات المتنامية المرتبطة بالمحيطات والموارد البحرية. كما تندرج هذه الخطوة في سياق تكريس رؤية إفريقية موحدة للنهوض بالاقتصاد الأزرق، كمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وخلال كلمته بهذه المناسبة، وصف البروفيسور واتارا هذه الاتفاقية بأنها “انطلاقة نحو تعاون علمي تضامني، يستجيب لمتطلبات حماية الثروات البحرية ويخدم أهداف التنمية المستدامة”، مشيدًا بالدينامية التي أبانت عنها الفرق العلمية من الجانبين، والتي اعتبرها أساسًا لترسيخ ثقافة الابتكار والتميز البحثي في إفريقيا.
أما الدكتور محمد ناجح، فأكد أن هذه الشراكة تعكس التزام المغرب الراسخ بتقوية العمل البحثي الإفريقي المشترك، مبرزًا أن التغيرات المناخية، وتفاقم الاستغلال الجائر للموارد البحرية، تفرض اليوم على المؤسسات العلمية التحرك بشكل جماعي لإيجاد حلول قائمة على المعرفة الدقيقة والتكنولوجيا الحديثة.
وتشمل الاتفاقية الجديدة تنفيذ برامج إقامة علمية وتدريب ميداني لفائدة الباحثين وطلبة الدكتوراه، إلى جانب إطلاق مشاريع علمية تطبيقية تركز على تقييم النظم البيئية الساحلية، وضمان استدامة المصايد السمكية، والحفاظ على التنوع البيولوجي البحري، بما يتماشى مع المعايير الدولية وأهداف أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي.
ويمتد هذا التعاون ليشكل حلقة جديدة ضمن سلسلة من المبادرات المغربية لدعم البحث العلمي البحري في القارة، لاسيما عبر سفينة الأبحاث الأوقيانوغرافية “الحسن المراكشي”، التي نفذت رحلات علمية شملت عدة بلدان إفريقية كساحل العاج، بنين، وليبيريا. وقد أفضت هذه المهام إلى إنشاء قواعد بيانات علمية دقيقة تساهم اليوم في التخطيط السليم لاستغلال الموارد البحرية وتطوير مخططات تهيئة المصايد.
وفي السياق ذاته، أكدت زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، خلال مشاركتها في الدورة الحادية عشرة لمؤتمر وزراء “كومهافات” بأبيدجان، أن المغرب يولي أهمية قصوى لتقوية الشراكة الإفريقية في مجال الصيد البحري، مشيرة إلى أن تنمية الاقتصاد الأزرق بشكل مندمج ومستدام هو اليوم خيار استراتيجي لمواجهة التحديات البيئية والغذائية التي تهدد مستقبل القارة.
كما جددت الدريوش التأكيد على ضرورة حماية الحقوق السيادية للدول الإفريقية في استغلال مواردها البحرية داخل مناطقها الاقتصادية الخالصة، داعية إلى تبني مقاربات علمية واحترازية لضمان استدامة هذه الثروات للأجيال المقبلة.
وتندرج هذه الجهود ضمن رؤية ملكية استراتيجية أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، عبر مبادرة “الفضاء الأطلسي”، التي تهدف إلى تعزيز حضور إفريقيا في المحيط الأطلسي وتمكين دوله من استثمار إمكاناته الهائلة، بما يسهم في بناء نماذج تنموية قائمة على التضامن والتكامل الإقليمي.
وهكذا تواصل الشراكات العلمية المغربية الإفريقية ترسيخ أسس تعاون فعّال ومبتكر، يسعى إلى جعل البحث العلمي قاطرة رئيسية نحو التنمية البحرية المستدامة، وتعزيز مكانة إفريقيا كقوة صاعدة في مجال الاقتصاد الأزرق والابتكار البيئي.