مهنيو الصيد التقليدي: لسنا مسؤولين عن تدهور الثروة البحرية

 

صوت الصحراء

خلال الاجتماع الذي انعقد بمقر كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري يوم الأربعاء 4 يونيو 2025، وترأسه مدير الصيد عبد الله مستتير، تم التطرق إلى مجموعة من القضايا الجوهرية التي تؤرق مهنيي القطاع البحري، وعلى رأسها التدهور المتسارع للثروة البحرية بالمغرب. وفي هذا السياق، أكد مدير الصيد أن الوزارة بصدد إصدار قرارات حاسمة خلال الأيام المقبلة، تهدف إلى حماية المصايد الوطنية ووضع حد للاختلالات التي باتت تهدد استدامة هذا المورد الحيوي، واصفاً الوضع الراهن بـ”المنقطع النظير” من حيث التدهور والضغط المفرط على المخزون.

وخلال مداخلته، شدد مولاي حسن الطالبي، عضو غرفة الصيد البحري الأطلسية الجنوبية، على ضرورة اعتماد نظام “ميناء الربط” بالنسبة لأسطول الصيد الساحلي، معتبراً أنه من غير المعقول أن يحصل مركب على رخصة صيد في ميناء طنجة أو أكادير، ثم يتوجه مباشرة إلى بوجدور أو الداخلة لمزاولة نشاطه، في تجاوز صارخ للعدالة المجالية وإفراغ ممنهج للموانئ الأصلية من دورها الرقابي والاقتصادي. وأوضح الطالبي أن هذا الوضع يخلق نوعاً من الفوضى في تدبير المصايد، ويفتح الباب أمام ممارسات تضر بالموارد البحرية وبالفاعلين المحليين.

وأضاف أن قوارب الصيد التقليدي تُفرض عليها قواعد صارمة في هذا الشأن، حيث يُلزم كل قارب بالاشتغال داخل الإقليم أو قرية الصيد التي يحمل ترقيمها، ولا يُسمح له بالتنقل إلى قرى أو أقاليم أخرى، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى غياب هذا التنظيم على مستوى الصيد الساحلي، الذي يشكل بدوره ضغطاً كبيراً على المصايد، خاصة بالأقاليم الجنوبية التي أصبحت نقطة استقطاب كثيفة بسبب وفرة الأخطبوط وبعض الأنواع الأخرى.

وقد تفاعل مدير الصيد مع هذا المطلب بجدية، معتبراً أن الإبقاء على الوضع الحالي غير منطقي، خاصة في ظل التحديات البيئية والمهنية التي يعيشها القطاع. وأشار إلى أن الوزارة تدرس إمكانية إعادة النظر في تدبير مناطق النشاط البحري، في أفق إرساء قواعد أكثر صرامة وعدالة، تأخذ بعين الاعتبار مبدأ الإنصاف بين الجهات وحماية المنظومات البحرية الهشة.

وتجدر الإشارة إلى أن مهنيي الصيد التقليدي شمالاً وجنوباً عبّروا خلال هذا الاجتماع عن رفضهم القاطع لأي شكل من أشكال “التخصص” أو تحديد آليات الصيد، معتبرين أن مثل هذه الإجراءات تمس بشكل غير مباشر حرية الممارسة المهنية، وتفتح الباب لتطبيقات انتقائية قد تؤدي إلى تهميش شرائح واسعة من المهنيين. وأكد الحاضرون أن التخصص، حتى وإن طُرح بأسلوب مبطن، يتعارض مع مبدأ المساواة داخل القطاع، مطالبين باعتماد مقاربة شمولية تُراعي تنوع الأساطيل واختلاف خصوصيات المناطق دون الإضرار بحقوق المهنيين أو فرض قيود تحد من مرونتهم في مواجهة التحولات الاقتصادية والبيئية المتسارعة.

وفي هذا السياق، شدد المهنيون على أن الصيد التقليدي لا يمكن تحميله مسؤولية تدمير الثروة البحرية، باعتباره نمطاً انتقائياً وصديقاً للبيئة، يعتمد على أدوات بسيطة وغير مدمرة، ويحترم الفترات البيولوجية والموائل البحرية، عكس بعض أنماط الصيد الأخرى، وعلى رأسها الصيد بالجر، الذي يُعد من أكثر الأنشطة استنزافاً للموارد، وفق ما تؤكده العديد من التقارير الدولية، بما فيها تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).

كما نبه الحاضرون إلى الأهمية الاقتصادية والاجتماعية التي يحتلها الصيد التقليدي داخل النسيج الساحلي الوطني، باعتباره قطاعاً مشغّلاً بامتياز، يوفر آلاف فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة، ويساهم في استقرار مئات الأسر، ناهيك عن دوره في تموين السوق المحلية بالأسماك وضمان الأمن الغذائي في عدد من المناطق. وهو ما يفرض، حسب المهنيين، ضرورة مراعاة خصوصيات هذا القطاع في أي إصلاح مرتقب، وحمايته من الإجراءات التي قد تمس بجوهره أو تعيق تطوره.

وتندرج هذه النقاشات في إطار توجه عام نحو هيكلة جديدة للقطاع، تقوم على التوازن بين الاستغلال الاقتصادي والحفاظ على الموارد، مع تعزيز آليات المراقبة والتتبع الميداني، بما يضمن التدبير المستدام للثروة البحرية ويصون مصالح الأجيال القادمة

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد