الدكتور الشتوكي يكتب عن حقيقة ملف “الكراير” بالداخلة

بقلم الدكتور الشتوكي
لقد إعتمد المغرب إصلاحات “نيولبيرالية” بدأت بالخوصصة و تحرير التجارة و تقليص القيود الإدارية و ما صاحب ذلك من تراجع للدور الاقتصادي للدولة و التخلص من مسؤولياتها في مجال الخدمات، و لذلك إحتكرت فئة قليلة قطاع المحروقات بعد تحررها، و كان نصيب رئيس الحكومة الحالي، هو السيطرة على 30 في المائة من السوق الوطني، بينما إستفادت ( 344) شركة مغربية من خوصصة القطاع العام، و أغلب هذه الشركات العائلية المحتكرة لمقدرات الوطن، هي التي نجدها تحاول اليوم إحتكار القطاع الفلاحي بالصحراء، بعدما أجهزت بالأمس على المخزون السمكي بمنطقة الجنوب عبر أساطيل بواخر الصيد الساحلي و أعالي البحار من خلال تحالفها مع “أغنياء حرب الصحراء” من رؤوس رموز سرقة المال العام .و لنا خير مثال يؤكد بالملموس صحة ما نقول في نموذج الشركة العملاقة” التي تحدت توصيات دراسة” وكالة الحوض المائي بالساقية الحمراء و وادي الذهب “، و التي دقت مسبقاً ناقوس خطر الإجهاز على الفرشة المائية بالإقليم والغير متجددة، هذه الدراسة التي إتخذ منها “المركز الجهوي للاستثمار” حجة لمنع إستثمارات ” صغار الفلاحين” من أهل الصحراء الأصليين، و فتح الباب على مصراعيه لشركات العائلات المغربية المتحالفة مع “الشركات الإسرائيلية المقنعة “التي سيطرت على حصة الأسد من مشاريع و برامج ” المغرب الأخضر” بالشمال و الوسط و الجنوب !!.

و لعل آخر حادث يتذكره أهلنا الأحرار، هو وقفة الرجل الشهم” محمد لمين السملالي” ضد همجية و غطرسة “الشركة العملاقة “التي حاولت الإستيلاء على أرضه الفلاحية…و كان عنوان رده الحازم هو : ” اليوم هو يوم الفيصل بيننا و بينكم !! لكم الإختيار بين أمرين لا ثالث لهما، إما أن تحترموا الأعراف السائدة بالمنطقة و التي تدبر ملكية الأرض منذ قرون، و إما أن تفتحوا على أنفسكم باب الجحيم !!.”

و قصة أول رئيس للمسماة ” اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان” بإقليم وادي الذهب، مع أخطبوط لوبي شركات السطو على بر و بحر أهل “الجريف الملعون”، ليست معزولة، بل هي جزء من قصص تكاد تتطابق و تتشابه و لم يسلم منها لا “شيوخ تحديد الهوية” و لا حتى العائلات المستضعفة و المفقرة !!.

علينا أن نعترف بأن الدولة المغربية اليوم تعيش أزمة فعل الوساطة، نتيجة ضعف المؤسسات، التي تؤثث المشهد الديمقراطي و ضمنها مؤسسات الأحزاب و الإعلام و النقابات، حتى صرنا أمام مؤسسات لا تحمل من الصفة غير الإسم، هذا الفراغ الذي نتحدث عنه يدخل في إطار إستراتيجية مقصودة من طرف جهات نافذة، تسعى إلى إفراغ المؤسسات الديمقراطية من محتواها حتى لا تعرقل عمليات النهب و السلب التي تمارس على عموم أبناء الوطن الضعفاء بشكل عام و على سكان إقليم وادي الذهب الأصليين بشكل أبشع، حيث أصبحنا نشهد مؤخراً أراضي تنتزع من أهلها، ظلماً و عدواناً و بدون وجه حق، من خلال التصرفات المتجاوزة التي إتخذتها إدارة الأملاك المخزنية، المتمثلة في محاولة الإستيلاء على أراضي الصحراويين التي تعد بمثابة إرث الآباء و الأجداد و ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالهوية الصحراوية.

و ليعلم الجميع على أن مؤسسة الأملاك المخزنية هي فقط واجهة تخدم أجندات خفية تتحكم في دواليبها جهات عليا بالمركز، و تسيرها شخصيات نافذة تسيدت مؤخراً على حكم الإقليم و تركت مسؤولية ما تبقى من خطط المؤامرة على أهل الأرض الشرعيين لمسؤول إقليم باوسرد، المطيع لأوامر ولي نعمته. !!.

و من منطلق أنني، أحد أعضاء مجموعة تنسيقية ” اكرايرنا خط أحمر” المدافعة عن الحق التاريخي “لأرض الأجداد، و التي لم تكن ” أرض خلاء” بدون أهل” Terra Nullius كما روج لذلك في محكمة العدل الدولية ب :لاهاي” تمهيداً لإبرام “إتفاقية مدريد الثلاثية” سنة 1975، و التي كان من مخرجاتها، التضحية بإقليم” تيرس الغربية” لصالح حكم النظام الموريتاني المتآمر على حق أهل الأرض الشرعيين، و هم آباء و أجداد كل أعضاء هذه التنسيقية المباركة.

و ليكن في علم الجميع على أن كاتب هذه الأسطر، قد أخذ على عاتقه مهمة الحرص على وصول سفينة هذا ” الملف” بسلام إلى بر الأمان، و توثيق كل بدايات الترافع حوله، منذ بداية لقاء بعض أعضاء مجموعة “ملاك لكرار”، بمستشار جلالة الملك محمد السادس، “محمد معتصم” رحمه الله، و كذلك برئيس مجلس المستشارين السابق “بيد الله “،و أيضا رئيس الحكومة السابق” عبد الإله ابن كيران “،و للأمانة فهو المسؤول الوحيد الذي يرجع له الفضل بعد الله عز وجل، في عملية ربط الإتصال بالقصر العامر بالرباط، ومن خلال ذلك اللقاء حصلت المجموعة على تعهد و إعتراف صريح بأحقية إمتلاك الأرض، ذلك الموقف النبيل من مستشار الملك السابق الذكر، كان من المفروض على السلطات المحلية بالإقليم أن تبني عليه كل الإجراءات و المبادرات العملية لصون حقوق أهل الأرض و على رأسها التحفيظ، و هذا ما لم يتم للأسف نتيجة للأسباب السابقة الذكر ، و أيضا نتيجة لخذلان بعض أعضاء “جمعية لكرار” المفترض دفاعهم الشرس عن حقوق موكليهم من أصحاب الأرض و الحق.

و بعد إطلاعي على بعض الملفات المتعلقة بحجج تعرض الأملاك المخزنية على شرعية ملفنا المطلي، تبين لي منذ الوهلة الأولى وجود تناقض واضح في موقف الرد الذي تبنته إدارة الأملاك المخزنية، حيث أنها عملت على إستعمال بعض المفاهيم و المصطلحات التي لا وجود لها في “قاموس” قانون ملكية الأرض و لا في وصف طبيعة حيازتها، على سيبل المثال لا الحصر ” ملك مخزني قديم “، و “أرض سلمتها السلطات الإسبانية للدولة المغربية”، و هذا جهل واضح من إدارة الأملاك المخزنية للحقائق التاريخية، و الملاحظة الأخرى هي أنه تم الزج بمؤسسة العدالة في مأزق خطير يطعن حتى في شرعية وثائق موقعة من نفس المحكمة و من طرف قضاة محلفين ، لم نشهد له مثيل من قبل عبر جميع محاكم التراب الوطني ، و الأمر الآخر الذي أثار حفيظتي و هو وجود وثيقة( محضر موقع من طرف السلطات المحلية بين كل من / قائد بباشوية الداخلة/ ممثل الشؤون الداخلية للولاية / قائد دائرة العركوب / مدير الأملاك المخزنية بالداخلة/ محافظ ممتلكات الدولة / و ممثلي ملاك لكرار ) بتاريخ 2008،و الغريب في الأمر هو أن مدير الأملاك المخزنية في تلك الفترة هو نفسه العامل الحالي لإقليم أوسرد “الجوهري”، و كيف له أن يتنكر لموقفه الموثق بمحضر و الذي يتعهد من خلاله، أمام السلطات المحلية بالعمل على حلحلة ملف لكرار بالطرق التي ترضي جميع الأطراف ؟ ، و أيضا كيف له اليوم أن يشهد على نفسه بعدم معرفته المسبقة بمواقع الإحداثيات المحددة لمنطقة” لكرار “موضوع التعرض؟ و هل يعقل أنه لا يعرف أنها غير تابعة لمنطقة نفوذ الإقليم الذي يتحكم في كل جزئياته ؟…هذا المسؤول الترابي، هو شريك في كل ملفات” العشرية السوداء” من حكم الوالي السابق ، و هو من سهل كل عمليات تفويت الأراضي الفلاحية الثمينة، لمن يدور في فلك ولي نعمته المعروف !!.

و أما بخصوص الرد على الحجج الواهية التي تبنتها إدارة الأملاك المخزينة في الرد على الحق الشرعي لأهلنا من ملاك لكرار ، فهي أن هذه الحجج :
• 1/ تتعارض مع الفصل 10من ظهير التحفيظ العقاري على طالب التحفيظ،الذي ينص على أنه لا تقدم طلبات التحفيظ، إلا للمتمتع بأحد الحقوق العينية الآتية : حق الإنتفاع، حق السطحية، حق الكراء الطويل الأمد ، و جل أصحاب التعرض من أهل لكرار لهم حق الإنتفاع مثبت بوثيقة “اللفيف العدلي”؛
•2/ حجة ” أراضي مسلمة من طرف السلطات الإسبانية للمملكة المغربية بعد إتفاقية مدريد الثلاثية”، لا تنطبق على أراضي إقليم ” تيرس الغربية” التي كانت تحت سيطرة الدولة الموريتانية .
•3/على إدارة الأملاك المخزنية أن تعلم على أنه توجد وثيقة ملكية الأرض على طول الشريط الساحلي من حدود “لكويرة” إلى حدود إقليم “بوجدور”، موثقة و موجودة بالأرشيف الإسباني، هذه الوثيقة الموقعة من طرف المملكة الإسبانية، هي بإسم الشخصية التاريخية، التي كانت تقود قبيلة أولاد الدليم و تتربع على عرش رئاسة فخذ “أولاد بعمر”، و هو المرحوم ” بلا ولد احمد زين” و على أن جميع البواخر في السابق لا يمكنها أن ترصو بشواطئ Rio de Oro ، إلا بالتصريح المسبق من هذه الشخصية التاريخية الهامة ؛
* 4/ لتعلم إدارة املاك الدولة كذلك، على أن الدولة الموريتانية قد وقعت في 5 أغسطس سنة 1979, بالعاصمة الجزائرية، “إتفاقية سلام” مع خصوم الوحدة الترابية تحت المظلة الأفريقية، و على أن من ساعد على إسترجاع الإقليم هو التحالف بين أعيان و شيوخ قبائل المنطقة مع الجيش الملكي الذي كانت تربطه إتفاقية أمنية سنة 1976 مع الدولة الموريتانية، حيث توجت العملية بالرمزية التاريخية لتسليم “البنادق” لشيوخ المنطقة، بالقصر العامر بالرباط ؛
•5/ على إدارة الأملاك المخزنية أن تستوعب معنى رمزية عملية إهداء منطقة” تنكير” مسقط رأس كاتب هذه الأحرف للملك الراحل “الحسن الثاني” موحد الصحراء، من طرف شيوخ و أعيان قبيلة” أولاد الدليم ” ؛
•6/- إن جهل إدارة أملاك الدولة بحجة “النظام العرفي” بالصحراء و إستنادها على حجج واهية، يحتم عليها أن تقدم إعتذار رسمي لأهل الأرض الأصليين…لأنه لا يمكنها أن تنتزع أرض بهذا المنطق المفتقر للحجج الشرعية و القانونية، و تقول هذه أراضي إسترجعتها الدولة المغربية من السلطات الإسبانية أو الموريتانية، “بمن فيها و ما عليها”.

و ليعلم الجميع على أن رمي ملف لكرار من طرف إدارة أملاك الدولة لمؤسسة القضاء، هي خطة مدروسة، ” لتضييع فرص الإستثمار على ذوي الحقوق من أصحاب الأراضي الفلاحية الصحراويين من جهة، و وضعهم في مواجهة مباشرة مع “المشروع الملكي”، 5 آلاف هكتار المخصص للزراعة، و المنجز على أنقاض أراضيهم المتوارثة أب عن جد من جهة أخرى”، و كل عاقل يعلم علم اليقين أن حل ملف لكرار “سياسي” و ليس “قانوني”.

و اليوم توجد فرصة ذهبية أمام الوالي الجديد “علي خليل ” إذا أراد أن يعتمد مبدأ “الجدية” في العمل على حلحلة هذا الملف المركب، و أي سياسة “هروب إلى الأمام” من طرف السلطات المحلية بخصوص هذا الملف لن يستطيع أحد التحكم في عواقبها !!

و لتعلم السلطات المحلية و على رأسها السيد الوالي، على أن تنسيقية ملاك لكرار منفتحة على كل المبادرات الجادة التي تضمن لأصحابها حقوقهم، في إطار شراكة “رابح /رابح”، من خلال مبدأ الإنصاف، و أي إستثمار ينبغي أن يتم التشاور معهم بخصوصه، و على الدولة مساعدتهم للنهوض بالمنطقة.

ولابد أن نشير أيضا على أن “الوالي السابق” قد عمل على حلحلة بعض الملفات في هذا الإطار قبل أن تنفرد به “عصابة لوبي العقار” و تحرضه على سلب أراضي أهل لكرار الشرفاء..

و في الختام، أطلب من الأخوة و الأخوات ممثلي “ملاك لكرار” الإلتزام بالعمل على ضرورة توحيد الصفوف و تقسيم العمل و المهام بشكل نظامي و حضاري، و كذلك توحيد الخطاب الإعلامي …و أدعو كل القوى الحية و كل الجمعيات الحقوقية بالإقليم و أيضا كافة منتخبي و منتخبات الإقليم إلى المزيد من الإلتفاف حول “تنسيقية ملاك لكرار” و إيصال صوتها الرافض رفضاً قاطعاً لعمليات التحفيظ الجائرة بأرض أهل الصحراء الشرفاء.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد