رهانات إعادة تكوين القطيع الوطني

في سياق وطني دقيق يتسم بتعاقب سنوات الجفاف، وامتدادات الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة كوفيد-19، أطلقت المملكة المغربية ورشا استراتيجيا لإعادة تكوين القطيع الوطني للماشية، في خطوة تروم دعم استقرار القطاع الفلاحي وتأمين الأمن الغذائي، استجابة للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله.

وفي هذا الإطار، أبرز المدير الإقليمي للفلاحة بإقليم سطات، يونس عطاني، أن الإقليم معبأ بكافة مكوناته لإنجاح هذا الورش الحيوي، لا سيما أن سطات تعد من الأقاليم الرائدة في تربية الماشية، حيث يضم قطيعها 864 ألف رأس من الأغنام و47 ألف رأس من الماعز.

وأوضح عطاني، عقب مشاركته عن بعد في اجتماع عقدته وزارة الداخلية، أن تنزيل هذا المشروع يتم عبر حكامة محكمة، تعتمد على تحديد واضح للمهام والمسؤوليات، من خلال لجنة قيادة مركزية برئاسة وزارة الداخلية، إلى جانب لجان تقنية مشتركة وأخرى محلية يشرف عليها الولاة والعمال.

وشدد على أن الهدف الأسمى يتمثل في دعم مربي الماشية، وتحسين ظروف عيشهم، والرفع من عدد رؤوس القطيع، بعد التراجع المسجل في السنوات الأخيرة نتيجة توالي الأزمات المناخية والاقتصادية.

وقد عرف الاجتماع الموسع الذي انعقد بحضور وزير الداخلية، ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، مشاركة عامل إقليم سطات وعدد من ممثلي القطاعات المعنية، حيث تم استعراض مضامين الدورية المشتركة المؤطرة للعملية، والتنبيه إلى أهمية انخراط جميع المتدخلين في إنجاح هذه المرحلة المفصلية.

يجمع المهنيون والمختصون على أن تراجع أعداد القطيع الوطني في السنوات الأخيرة يعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، في مقدمتها توالي سنوات الجفاف، وارتفاع أثمنة الأعلاف المركبة، وتراجع القدرة الشرائية لمربي الماشية، إلى جانب تداعيات الجائحة التي أثرت على سلاسل التوريد والأسواق.

كما أدى ضعف التساقطات وتقلص المراعي الطبيعية إلى ارتفاع كلفة الإنتاج بشكل لافت، وهو ما تسبب في اضطرار العديد من المربين إلى تقليص عدد رؤوس المواشي، أو بيعها في ظروف غير مواتية، مما عمق الأزمة داخل الوسط القروي، وضرب المنظومة الإنتاجية في الصميم.

ورش إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية لا يقتصر على دعم مباشر للمربين أو تمويل العمليات المرتبطة بالتكاثر فحسب، بل يتضمن أيضًا مقاربة شمولية تتوخى تأهيل هذا القطاع الحيوي، وتعزيز قدراته التنافسية، بما يضمن استدامة الموارد وتحسين دخل الفلاحين، ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء ومشتقات الحليب.

وفي هذا السياق، يُتوقع أن تُرصد إمكانات مالية ولوجستية كبيرة لمواكبة عملية تجديد القطيع، وتعزيز المنظومات المرتبطة به، سواء من حيث التتبع البيطري، أو التلقيح، أو تحسين سلالات الإنتاج.

ويظل نجاح هذا الورش رهينا بانخراط حقيقي من كافة المتدخلين، وبالاعتماد على مقاربة ترابية تشاركية تضع الفلاح ومربي الماشية في قلب الدينامية التنموية، باعتبارهما الفاعل الأول في صيانة الثروة الحيوانية الوطنية، وحلقة أساسية في معادلة الأمن الغذائي والاجتماعي بالمغرب.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد